فوائد الصيام الجسدية والذهنية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين،

أستهل هذا المقال بالتذكير بقول الله عز وجل في سورة الانفال: "يـٰأَيُّهَا الَّذينَ ءامَنُوا استَجيبوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم ۖ وَاعلَموا أَنَّ اللَّـهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ ﴿٢٤﴾" ، فالله سبحانه وتعالى يقول لنا من خلال هذه الآية الكريمة أن الاستجابة لأوامره جل في علاه تُحيينا وأن بها السعادة والخير كله ..

فالهدف من صيام رمضان كما يظهر لنا في الآيات الكريمة في سورة البقرة هو تزكية النفس والإرتقاء بها لدرجات أعلى من تقوى الله عز وجل ومخافته .. وما من أحد منا ممن يصومون الشهر الكريم إيماناً وإحتساباً ينكر الشحنة الإيمانية الكبيرة التي يمددنا الله عز وجل بها في هذا الشهر الفضيل ..

بالإضافة لفوائد الصيام الروحية فمن الممكن أن الله سبحانه وتعالى فرضه علينا أيضاً لفوائد جسديه وذهنيه معينه والتي بدورها تضمن لنا حياة مباركة وسليمة .. هذا الموضوع واسع جداً وفي هذا المقال سأقوم بعرض نقاط بسيطة تتعلق بعدد من فوائد الصيام ، مبتدئين بفوائده على الدماغ ..

في سلسلة أبحاث قام العالم مايكل إيديس (Dr. Michael R. Eades) بعرضها وجد أن تعرض الكائنات الحية في المختبر للصيام يحسن من قدراتها الذهنية كما أنه يحسن بشكل عام من قدرتها في التعامل مع الضغط (الإمر الذي يقلل من تطور أمراض معينة كالسرطان) ..

الدماغ ككل عضو في الجسم بحاجه إلى عمليات الرعاية والصيانة .. وهذا الأمر يحدث عبر عمليات بيولوجية أودعها الله سبحانه وتعالى في الجسم للمحافظة عليه .. فخلايا الدماغ والجهاز العصبي هما بمثابة بيت مبني ومُؤثث بحاجة إلى الرعاية والصيانة من حين إلى حين .. أحد العوامل الأساسية لصيانة الدماغ أطلق عليه الإختصار BDNF وهو عبارة عن بروتين مهم لعملية صيانة خلايا الدماغ وللمحافظة على أداءه الجيد ، ففي حالات التشاؤم والحزن المفرط مثلاً (والعياذ بالله) يلاحظ العلماء إنخفاض في مستوى ال BDNF عند الأشخاص المصابين.

ما عرضه العالم مايكل إيديس يشير إلى أن الصيام للكائنات الحية في المختبر يرفع بشكل كبير مستوى بروتين ال BDNF في الدماغ ، الأمر الذي له فوائد ذهنية كبيرة على تلك الكائنات الحية كما يظهر من خلال الإختبارات الذهنية التي فُحصت من خلالها تلك الكائنات.

إضافة إلى ذلك فقد وجد طاقم البحث بقيادة العالم مارك ماتسون (Mark Mattson) في معهد الشيخوخة القومي في الولايات المتحدة بأن الصيام للأشخاص الذين يعانون من مرض السكري يحسن مستويات السكر (من خلال تفاعله مع نظام إفراز الإنسولين) وكذلك فأنه يؤدي لتحسن ملحوظ ومرئي في صحة وعمل الحُصَين (Hippocampus) ، وهو جزء من الدماغ يرعى العمليات الذهنية وخاصة تخزين المعلومات في ذاكرة الأمد البعيد والعمل في المساحة (القصد القدرة الذهنية للوصول لمكان معين كالدكان ، المسجد سواءاً مشياً ، قيادة للسيارة أو بواسطة غيرها من وسائل النقل).

ما وجده العلماء بأن الصيام يقوم بصيانة هذه المنطقة من الدماغ بشكل خاص ، فهو يؤدي لإزدياد الروابط العصبية بها ويقوم بالحد من تقلصها (في وجه الضغوط أو النسب المرتفعة من السعرات الحرارية في الجسم).

هذه هي أربع فوائد للصيام قمت بإستعراضها من خلال هذه الكلمات البسيطة وهي جزء صغير من فوائده المتعددة. بإختصار الصيام يحسن من قدرة الجسم للتعامل مع الضغط ، يحسن عملية التجديد والصيانة العضوية في الدماغ ، يقوم بموازنة مستويات السكر عند الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري ويقوم كذلك بتحسين عمل الحُصين (Hippocampus) المرتبط عمله بالذاكرة وبالإدراك في المساحة.

آخر ما أختم به هذا المقال هو قول الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف " وَلَقَد جِئنـٰهُم بِكِتـٰبٍ فَصَّلنـٰهُ عَلىٰ عِلمٍ هُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ ﴿٥٢﴾"

هذه سبيل الله وهذه هي الطريق التي يرضاها لعباده فطوبى لمن تمسك بهداه ولمن أطاعه وأطاع رسوله ..

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.